فمن هؤلاء الذين لاتعرفهم الملائكه؟؟؟؟؟!!!!!
﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾من هم هؤلاء؟!.
صلاح الدين إبراهيم أبو عرفة
_ إنها سورة البقرة, وفاتحة العلوم والأحكام, وفيها ما فيها من الإشارات لأول الخلق والتكوين, وفيها بانفراد, نبأ الساعات الأولى التي سبقت القضاء بآدم, ذلك الحدث الحاسم الذي نمر عليه هكذا, دون واجب تفكير لائق.
ذلك أن الأمر كان أول ما كان, من الله, وكان هذا بذاته كافياً أن نقف عنده لنسأل: لِمَ؟!.
وهذا سؤال المؤمن بربه وحكمته وتدبيره, لا سؤال المنكر الجاحد, ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾؟.
لنرجع إلى مبدأ سؤالنا, ولنقل أسئلتنا!.
- ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ فلماذا الأرض؟, ومن للسماء؟.
- ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾ من هم هؤلاء الذين عرضهم الله سبحانه؟
- ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ ماذا ادّعى الملائكة حتى يُدعَوْ إلى بينة صدقهم؟. ثم إن سياقها البشري-أي لو كنا نحن المتكلمين- أن تكون: إن كنتم تعلمون؟.
- ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾, ألم يشهد الملائكة من قبل من قدرة الله مما يثبت العلم لله, ما هو أعظم من سرد آدم لأسماء هؤلاء؟, فماذا وراء هذا السرد من آدم, وهذا الاثبات –الآن- من الله؟.
ماذا تقول كتب التفسير؟
قبل أن نجيب, نمرّ على ما وصلنا من أقوال المفسرين من قبل, وسبق وقدمنا أن هذه الأقوال, إنما هي آراء يصيب بعضها, ويخطئ بعض, ما لم تتصل بسند إلى النبي المعصوم محمد عليه الصلاة والسلام, ولا تصل بحال لتتعلق بذات النص فتتلبس به, ويصبحا سواءً!, فكلام الله شيء, وآراء التأويل شيء آخر, لا يحق لأحد أن يحمل الناس عليها!.
وجمهور المفسرين على ما ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما, -على افتراض صحة النسبة- من أنها أسماء الأشياء كلها, حتى القصعة والملعقة, والفسوة والفسية, والضرطة والضريطة!, فهي عندهم أسماء المخلوقات كلها, ما كان وما سيكون!.ومنهم من ذهب إلى أنها أسماء الملائكة, أو قد تكون أسماء النبييين من ذرية آدم!. ثم ذهبوا فيها نحواً من عشرة مذاهب, كلها ظن لا ثابت فيه!.
وسبق وقدمنا من قبل, أننا في هذا الدين لا ندين لقيل وقال, ويرى فلان!. فما لم يقل به النبي محمد عليه الصلاة والسلام فليس بدين, بل هو قول وحسب, لنا أن نؤمن, ولنا أن لا نؤمن, ما لم يأتنا عن ببينة!.
أقوال المفسرين واختلافاتهم, لا تتفق مع ظاهر النص والسياق!.
إذا نظرنا في قول الأكثرين, اعترضنا كثير من التساؤل والاضطراب.
أولها: أن ضمائر الخطاب, لا تتحدث عن جمادات, أو مخلوقات منثورة, بل هي عواقل ظاهرة {ثم عرضهم}, {أنبئوني بأسماء هؤلاء}, {أنبئهم بأسمائهم}, {فلما أنبأهم بأسمائهم}, فلو كان تأويل الجمهور صحيحاً, لكانت الصياغة هكذا: وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضها على الملائكة, فقال أنبؤني بأسماء هذه إن كنتم صادقين.... قال يا آدم أنبئهم بأسمائها, فلما أنبأهم بأسمائها..!.
فمن منا يعرض ألف شيء مختلط مختلف, ثم يقول: احصوا لنا هؤلاء الأشياء؟.
وحتى إن كانوا ألف إنسان, وألف دابة, وألف قصعة, فلا يستوي البتة أن يشير أحد إليها جميعهاً فيسألنا: من هؤلاء؟, وهو يريد الجميع المنظور. فلا يستقيم أن تدخل الدواب والنباتات والجمادات تحت هؤلاء!.
هذا إلى جانب اضطراب التأويل مع سياق الموضوع, وارتباطه بما قبله وما يليه من الآيات والمبنيات والمتتاليات على ما جرى بعدها. فلا يعقل أبداً أن الملائكة لا تعلم من المعروضات شيئاً, وهي لتوها تقول: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء﴾، فالأرض وما فيها, والدماء وسفكها, كانت معلومة عند الملائكة, قبل أن يخلق آدم, بشاهد هذه الآية!.
ثم أن كانت الأسماء كلها, تجمع الأشياء كلها, -كما يُروى-, لوجب أن يكون الملائكة المسئولون ضمن هذه الأشياء نفسها, ولوجب عليها أن تعلم أسماء أنفسها هي, على أقل القول!.
إلا أن يكون ما بدا للملائكة مما عُرض عليهم شيئاً لا تعلمه البتة, ولم تره من قبل, بل إن سياق سؤال الله لهم, يوحي ابتداءً, بأنهم لا يعلمون, ولن يعلموا!, فما هو, وماذا يكون؟!.
ولا يبعد أبداً, بل هو الأوْلى, أن يكون آدم عُلّم أسماء ما قد يخطر له في معيشته وأمره, ليتخاطب بها من بَعد, بشاهد قول الله ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ , عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ (4) سورة الرحمن, ثم بشاهد ما ثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم, حديثه عن أول خلق آدم –فتدبّره جيداً- قال: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ, فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ, فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِ اللَّهِ, فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ يَا آدَمَ فَقَالَ لَهُ: يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلاَئِكَةِ, إِلَى مَلإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ, فَقُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ, فَذَهَبَ, قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ, ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ, فَقَالَ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ وَبَنِيهِمْ, وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ!, فَقَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّى وَكِلْتَا يَدَىْ رَبِّى يَمِينٌ مُبَارَكَةٌ, ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ, فَقَالَ: أَىْ رَبِّ, مَا هَؤُلاَءِ؟, قَالَ هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ, فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ, وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ, أَوْ قَالَ مِنْ أَضْوَئِهِمْ, لَمْ يُكْتَبْ لَهُ إِلاَّ أَرْبَعُونَ سَنَةً, فَقَالَ: أَىْ رَبِّ زِدْ فِى عُمْرِهِ!, قَالَ: ذَاكَ الَّذِى كُتِبَ لَهُ, قَالَ: فَإِنِّى قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِى سِتِّينَ سَنَةً, قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ, قَالَ: ثُمَّ اسْكُنِ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ اهْبِطْ مِنْهَا». فانظر في الحديث جيداً, وانظر إلى حال الملائكة الجلوس, ثم انتبه إلى أن آدم تكلم بالبيان من أول نفخ الروح, ثم سمع كلام الله وأمره, فوعاه, ثم قال للملائكة ما قال, فردوا عليه, وزادوه كلمة, فانتبه أنهم ليسوا بجهلاء, ولا غافلين, ثم خيره الله بما خيره به, فقال: أَىْ رَبِّ, مَا هَؤُلاَءِ؟, فلم يعرف من هم هؤلاء, وهم بنوه وذريته!, بل إن الذي لفت نظره كان نبي الله داود, فكيف يعرف أسماء كل شيء, ولا يعرف اسم نبي عظيم, هو ابنه, وخليفة مثله كذلك, وهو يعرف الفسوة و الفسية كما يقولون!؟.
أما الآية التي نحن بصددها ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾, فيظهر أنه شيء عظيم آخر, استنفر الملائكة, واستثار سؤالها واهتمامها, فما هو؟.
ولا بدّ قبل كل شيء, أن نلفت وننبّه, إلى العلاقة الظاهرة المفروضة, بين الفساد وسفك الدماء, وبين الأسماء!, فما عليه أكثر المفسرين, لا يطّرد أبداً مع هذين المتعلّقين!, بل يتناقض معهما أيما تناقض, فالأسماء عندهم أول لازم للعلم؛ والعلم عندهم, أول لازم لالإعمار والخلافة, بينما الأسماء من سياق الآيات, متعلّق الفساد والدماء, فانتبه!.
وإذا رفضنا التأويل المشهور لاضطرابه مع السياقين السابق واللاحق, وجب علينا نحن -إن تقدمنا بفهم ما-, أن نأتي بتأويل مضطرد يسد خلل اضطراب التأويل الأول. فأيّما فهم مطروح, وجب أن يأخذ بأطراف السياق والدلالات والمقاصد, ليشدها جميعا بعضها إلى بعض, لنخرج بصورة متسقة من أولها إلى آخرها.
كيف نفهمها إذا؟.
فالآيات من أول السورة, جاءت لتفصل بين المؤمنين وبين الكافرين, بين المصلحين والمفسدين في الأرض, وتلكم هي مناطات الاستخلاف في الأرض, ﴿وَإِذَا قِيلَ لهمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (11) سورة البقرة.
فهذه هي المرتكزات والاُصول الأولى.. من يؤمن ومن يكفر!.
والإيمان والكفر محور الدين كلّه!. والاسماء محور الكفر والإيمان!.
فالأمر كله على الأسماء, فلن يعقل أنها مجرد اللغة كما يزعمون, فهل كانت الملائكة بكماً لا ينطقون!؟.
ثم تسترسل الآيات حتى تصل إلى ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (28) سورة البقرة ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (29) سورة البقرة ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (30) سورة البقرة,
فانسياب السياق ابتداء من الإيمان والكفر إلى الاستخلاف في الأرض جلي لِعيان.
ثم ما تلبث القصة أن تصل إلى هذا الأصل الأول مباشرة بعد هبوط الفريقين الضدين إلى الأرض ليوصي الله بهذا الأصل مرة أخرى ﴿قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَليهمْ ولاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (38) سورة البقرة
ولكن ترى كثيراً من المفسرين, لا يبنون موضوعاً موحداً لتأويل مشكل ما؛ كأن يقول أحدهم في معرض تأويله لأسماء هؤلاء: هي أسماء الأشياء, ثم لا يبني ما يرى على السياقات والمباني المشتركة للسورة نفسها, أو يقول: هي أسماء النبيين, -وقد تبيّن بطلانه- هكذا دون بناء موضوعي, ولا إسناد دلالي, يشد مذهبه ويقنع سامعه, بل قول بظن وحسب!, ولا تتورع بعض كتب التفسير أن تفسح محلاً, لمن قال: هي أسماء النجوم!!. ثم تنغلق دائرة كتب التفسير على الغث والسمين, دونما استيعاب لجديد ذي بينة!. فهذا ما لا يصلح أن يكون تأويلاً, مهما علا شأن قائله من دون النبي صلى الله عليه وسلّم.
فمن هذا الباب نلج أية الاستخلاف, وبهذا المفتاح نفتح مكامنها, ونحن مطمئنون مستندون إلى شديد, ذلك هو السياق والبناء الموضوعي, الذي لا يخلو منه كلام عامة الناس, عدا أن يخلو منه كلام الرب الحكيم.
عود على بدء
﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾!, وماذا كانت دعوى الملائكة التي تلزمهم بينة الصدق؟
الملائكة بنص الآية ادّعوا ادعاءين, ﴿قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا ويَسْفِكُ الدِّمَاء﴾, وهذه هي الاولى, ثم ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾, وهذه الثانية.
أما الأولى, فما جرى بعد هبوط آدم إلى الأرض, فقد كان بينة على صدقهم, إذ ما لبث أن سفك ابن آدم دم أخيه!, فها هو السفك, وها هو الإفساد, فهذه مضت وبان صوابهم بها.
وأما الثانية, فهي موضع الحدث والحديث,﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾, ولعل في تقديمهم لأنفسهم في ملأٍ لا يعرف إلا الله أصلاً, ولا يملك خِيَرَة أمره, فلا يكفر ولا يعصي, لعلّ هذا ما استوجب مراجعة البيّنة؟!.
فالمخلوق الجديد على خلاف هذا كله, ومحل ميدانه خلاف ما هم فيه تماماً, ولذلك جاء الجمع بين الخليفة وبين الأرض!, فوضح أن ما اُعدّ له, شيء غاب عن شهادة علم الملائكة, بما أبطل محل ظنهم ودعواهم وسباقهم!.