عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2013, 07:05 AM   #46
nourelhak
عضو مشارك
 
تاريخ التسجيل: 05-12-2012
الدولة: القاهرة
المشاركات: 110
مشاركات الشكر: 78
شكر 44 مرات في 32 مشاركات
النهي السديد في قراءة القرآن للتطريب

النهي السديد فى قراءة القرآن للتطريب


خرج الإمام أحمد فى المسند أن أبا هريرة - رضى الله عنه - كان يتمنى الموت قبل أن تدركه ست البدع ، عد منها : أن يتخذ الناس القرآن مزامير ) . ( 1 )

عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : (كلّ عبادة لم يَتَعبدْ بها أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ- صلى الله عليه وآله وسلم- فلاَ تَتَعبَّدوا بها ؛ فإِن الأَوَّلَ لَمْ يَدع للآخِر مَقالا ؛ اتقوا الله يا معشر القراء ، وخذوا طريق من كان قبلكم ، فوالله لئن استقمتم
لقد سبقتم سبقًا بعيدًا ، ولئن تركتموهم يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا ) . (2 )

روي عن سعيد بن المسيب أنه سمع عمرَ بن عبد العزيز يَؤُمُ الناسَ فطرَّب في قراءته ، فأرسل إليه سعيد يقول : اصلحك الله ! إن الأئمةَ لا تقرأُ هكذا ؛ فترك عمرُ التطريبَ بَعْدُ ) . ( 3 )

ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله - ( ت 671 ه ) فى مقدمة تفسيره كلامًا نفيسًا جدًا ، يكتب بماء الذهب ، فى موضوع التطريب في القرآن وقراءته بالألحان ، وردّ على أدلة مَنْ أجاز ذلك ردًا مُفحمًا ، بما ينبغي مراجعته هناك.
قال - رحمه الله - :
( وروي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك فقيل له : اقرأ . فرفع صوته وطرب ، وكان رفيع الصوت ، فكشف أنس عن وجهه ، وكان على وجهه خرقة سوداء فقال : يا هذا ، ما هكذا كانوا يفعلون ! وكان إذا رأى شيئا ينكره ، كشف الخرقة عن وجهه . وروي عن قيس بن عباد أنه [ ص: 30 ] قال : كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الذكر . وممن روى عنه كراهة رفع الصوت عند قراءة القرآن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والقاسم بن محمد والحسن وابن سيرين والنخعي وغيرهم ، وكرهه مالك بن أنس وأحمد بن حنبل ; كلهم كره رفع الصوت بالقرآن والتطريب فيه ) . (4 )

ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - شيئًا من تلبيس إبليس على الوعاظ والقصاص فقال :

( ومنهم من يتحرك الحركات التى توقع بها على قراءة الألحان ، والألحان التى أخرجوها اليوم مشابهة للغناء فهى إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة ، والقارئ يطرب والقاصُّ ينشِد الغَزَلَ ) . ( 5)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (ت 728 ه ) :

( فلا يسوغ أن يقرأ القرآن بألحان الغناء ، ولا أن يقرن به من الألحان ما يقرن بالغناء من الآلات وغيره " ( 6 )

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله في ( نزهة الأسماع في مسألة السماع ) :

( قراءة القرآن بالألحان، بأصوات الغناء وأوزانه وإيقاعاته، على طريقة أصحاب الموسيقى، فرخص فيه بعض المتقدمين إذا قصد الاستعانة على إيصال معاني القرآن إلى القلوب للتحزين والتشويق والتخويف والترقيق . وأنكر ذلك أكثر العلماء، ومنهم من حكاه إجماعاً ولم يثبت فيه نزاعاً ، منهم أبو عبيد وغيره من الأئمة.
وفي الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة تهيج الطباع ، وتلهي عن تدبّر ما يحصل له من الاستماع حتى يصير التلذذ بمجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة ، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن ؛ وإنما وردت السنة بتحسين الصوت بالقرآن ، لا بقراءة الألحان، وبينهما بون بعيد) . اهـ ( 7 )



ويري ابن بطة الكبري ( ت 387 ه ) :

( أن من البدع قراءة القرآن والأذان بالألحان ، وتشبيهها بالغناء ) .(8 )

وأخرج الدارمي بسنده :

أن سالمًا البيدق قدم المدينة ، فقام يصلي بهم ، فقيل لسالم مولى عبد الله بن عمر : لو جئت فسمعت قراءته ، فلما كان بباب المسجد سمع قراءته ورجع ، فقال : غناء غناء ) . (9)

روى ابنُ القاسم عن الإمام مالك ، أنه سُئِلَ عن الألحان في الصلاة فقال : لا تعجبُني ، وقال : إنما غِناءٌ يَتَغَنَّوْنَ به ليأخذوا عليه الدَّراهم . (10 )

قال ابن كثير - رحمه الله - :
( هذه طُرُق حَسَنة في باب الترهيب ، وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التي يُسلك بها مذاهب الغِناء . وقد نَصَّ الأئمة - رحمهم الله - على النهي عنه فامَّا إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسبب حرفًا أو تَنقُص حرفًا فقد اتفق العلماءُ على تحريمه . والله أعلم ) . (11 )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
( قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروهٌ مبتدعٌ كما نص على ذلك مالك والشافعى وأحمد بن حنبلوغيرهم من الأئمة ) . (12 )

ذكر أبو الحسن المباركفوري( 13 ) في كتابه مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - الجزء السابع الفصل الأول ( ص 270 ) - كلامًا قيمًا لابن القيم :
( وقال ابن القيم بعد ذكر الاختلاف في تفسير التغني بالقرآن ، ومسألة تحسين الصوت به وقراءته بالألحان ، وذكر احتجاج كل فريق - مالفظه : وفصل النزاع أن يقال
التطريب والتغني على وجهين :
أحدهما ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم بل إذا خُلِّيَ وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب والتلحين فذلك جائز ، و إن أعان طبيعته فضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى للنبي - صلى الله عليه وسلم - لو علمت انك تسمع لحبرته تحبيرًا ، و الحزين ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة ، ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع ، فهو مطبوع لا متطبع ، وكلف لا متكلف ، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه وهو التغني الممدوح المحمود ، وهو الذي يتأثر به السامع والتالي ، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة هذا القول كلها .
والوجه الثاني ما كان من ذلك صناعة من الصنائع وليس في الطبع السماحة به بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن كما يتعلم اصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة ، والمركبة على إيقاعات مخصوصة ، وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بتعليم وتكلف فهذه هي التى طرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه ، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب من غيره ، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعًا أنهم بُرآء من القراءة بالألحان الموسيقية المتكلفة التى هي إيقاع وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم أتقى لله من أن يقرءوا بها ويسوغوها ويعلم قطعًا أنهم كانوا يقرءون بالتحزين والتطريب ، ويحسنون أصواتهم بالقرآن ويقرءونه بشجى تارةً ، وبطرب تارةً ، وبشوق تارة ، وهذ أمر في الطبائع تقاضيه ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطبائع له بل أرشد إليه وندب إليه و أخبر عن استماع الله لمن قرأ به . وقال ليس منا من لم يتغن بالقرآن ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه إخبار بالواقع الذى كلنا نفعله ، والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته - صلى الله عليه وسلم - ) . اه (14 )


قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - :

( والغرض أن المطلوب شرعًا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبُّر القرآن وتفهُّمه ، والخشوع والخضوع ، والانقياد للطاعة ، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الُلهية ، والقانون الموسيقائي ، فالقرآن يُنزه عن هذا ن ويُجلُّ ويُعظم أن يُسلَكَ في أدائه هذا المذهب ، وقد جاءت السُّنة بالزجر عن ذلك ) .( 15)

ألف ابن كيال الدمشقي ( ت 929 ه ) كتابًا في النهي عن قراءة القرآن بالألحان سماه " الأنجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر " . ( 16 )

ذكر الأهوازي ، قال : سمعت جماعة من شيوخي يقولون : لا يجوز للمقرئ أن يقرأ بخمسة أضرب : بالترقيص ، والترعيد ، والتطريب ، والتلحين ، والتحزين ؛ إذ ليس لها أثر ولا نقل عن أحد من السلف ، بل ورد إلينا أن بعض السلف كان يكره القراءة بها ) . ( 17 )

____________


المصادر :
___

( 1 ) أخرجه أحمد في المسند ( 3/ 494 ) .
(2 ) الإبانة لابن بطه .
( 3) مصنف عبد الرزاق ( 2/ 484 ) .
(4 ) مقدمة تفسير ( الجامع لأحكام القرآن ) للإمام القرطبي ( 1/ 18 - 32 ) ط الرسالة .
( 5) تلبيس إبليس ( ص: 151 ) .
(6 ) الإستقامة ( 1/ 246 ) .
( 7 ) نزهة الأسماع في مسألة السماع ، ابن رجب الحنبلي .
( 8 ) الإبانة ( ص 343 ) ، وتفسير القرطبي ( 1/ 10 ) .
( 9 ) السنن ( 2/ 473 ) .
(10 ) سير أعلام النبلاء ، هو عبد الرحمن بن القاسم أبو عبد الله العُتَقِيُّ مولاهم ، المصري ، صاحب مالك ، عالم الديار المصرية ومفتيها توفى ( 191 ه ) .
(11 ) فضائل القرآن لابن كثير .
(12 ) الآداب الشرعية لمحمد بن مُفلح المقدسي ط الرسالة ، فصل في التلاوة بألحان الخاشعين لا ألحان المطربين .
(13 ) أبو الحسن هو أبو الحسن عبيد الله ابن العلامة محمد بن عبد السلام المباركفوري .
(14 ) وورد فى زاد المعاد فى فصل اختلاف الناس فى معنى التغني بالقرآن .
( 15 ) فضائل القرآن ( 90- 91 ) ط عالم الكتب .
( 16 ) الذيل على كشف الظنون ( 1/ 131 ) .
( 17 ) الإقناع في القراءات السبع ( 1/ 155 ) .
nourelhak غير متصل   رد مع اقتباس
عدد 3 من الاعضاء يشكرون nourelhak على مشاركته الطيبة ويطلبون المزيد من هذه المشاركات الرائعة ويدعون له بالتوفيق
مشاهدة/اخفاء قائمة الشكر لهذه المشاركة

اعلان