الضمــير
هـو ذلك الصـوت الخفي الحـاكم والـرادع للنفس والرقيب عليها ، ليردها عند جمـوحـها ، وشطـط هـواها ، إنه قـاضـيك الخـاص الذي يسكن أغـوار نفسـك ، يقـيِّـم ماتفـعـل أولاً بأول ، فإذا خالـفته في غفـوة منه صـب عليك جـام غضـبه ، وقـد يوخذك أو يقـضي بجـلدك ً ، فتعـمل علي إرضائه وتعـاهده بألا تعـود إلي مافعـلت
من شطـط .
وغـفوة الضمير
واردة ويمكن تداركـها ، غير أن الخطـير في الأمر ليس
غفوته بل تكـون الطامة حين يموت فيك الضمير، فحينئذ تعيث النفس فساداً وتموت وتصبح دمية في يد هواها.
والضمـير
يعني إستـعـداد النفـس لإدراك الخـبـيـث أوالطـيـب من الأعـمـال والأقوال، بل والأفـكـار أيضاً ، والتـفرقـة بين ماهـو حسن
منـها، أو قبـيـح وإتيـانـه بقـناعة منك ودون الخـشـيـة من
قـانـون وضـعي – أضمر الشئ وأخفاه – أضمر في نفسه
أمراً وعزم عليه بقلبه
وفي المنتهي يعني ماتضمره في نفسك ويصعب الوقوف عليه .
والضمـير
يولد معنا بالفـطـرة ، لذا فهو يعد نتاج نشأة ، وأثـر تربية ،
فالضمير شأنه شأن الـولـيد الـذي يحـتاج لأن يحـيى في بـيـئـة صحية وصالحة ، فإذا نما علي هذا النحو صار كياناً ذو أثـر
في حياة الفرد وسلوكياته ، فيضع علي النفس سياجاً يعصمها
من إقتراف الخـطـأ والخطـيئة ، كما أنه إذا صلحت ضمائر الأفراد في الأمة ، فإنه يصب في ضميرها العـام ، وساعـة إذ لاننظر إلي الضـمـائر فـرادي ، وإنما نتـحـدث عن ضمير أمة بأثرها ، ونحكم بمدي صلاحه من إعوجاجه .
ويتبدي الضمير الحي في الخفاء أكثر منه في العلن ، فقد يتصنع الإنسان خراب الضمير أمام الناس ، لكنه إذا ما إخـتـلي بنفسه ، تجـرد من هذا السياج الحاكم ، وصار لايلوي علي شئ من وازع ولا رادع
وإذا كانت الرسالات السماوية جميعاً بما تدعو إليه من فضيلة قد عنت بالضمير المتمثل في القول والسلوك في إطار إفعل ولا تفعل ، فإن تربية الضمير قد لاترتبط بالأديان أيضاً ، وآيـة ذلك أن هناك شعوباً وأمماً لاتنتمي لأي ديانة سماوية ، ولكنها تملك ضمائراً
حية ، كانت رائـدهـا في التحـضر وإعتلاء الشأن ، ولننظر إلي اليابان، تلك الـدولة التي تملك ضميراً عاماً يضرب به المثل في القول والسلوك ،وكذا الصين ، والدول الشيوعية، والتي ملكت نواصي العلم وبلغت في دروب التقنية شأناً عظيماً.
والضمير
يعتبر هو القاطرة الرئيسة في نهضة الأمم ونمو إقتصادياتها ، والعنـصر الأهـم والدائم من عـناصر الدخـل السلـبي ، أو غير المرئي فيها ، وأخذاً بالقول أن معظم النار من مستصغـر الشرر ، فمثلاً إذا لم يجيد عامل الكهرباء دقة توصيلاته ولم يعمل ضميره في ذلك ، فحتـماً ستحـدث ماسـاً أو شـرراً لايلـبث أن يتـولد عنه حريق عظيم يلتهم مايقع في طريقه ، وهي خسارة في أموال الفرد والدولة معاً ، ولو أعـمـل ضميره بإحكام في ما يصنع لأمكن تجنب تلك الخسارة وتلافيها .
أو ألا يحسن الـصـانـع جـودة السلـعـة المكـلف بها ، فإنها سـرعـان ماتتـلـف وتهلك قبل فوات عمرها الإفـتـراضـي المقـدر لها ، وهي خسـارة أيضاً للفرد والمجتمع ، وقس علي ذلك المعلم والطبيب ، والقاضي ، كل في نطاق عمـلـه......إلخ
حـتي الأم بقدرها ، قـد لاتراقب أبنائها في النشئ بالمستوي
المأمول منـها والمضطلعة به ، بأن توجههم وتنمي ضمائرهم ،
كأن تنصرف عنهم لأعمال أخري ، نراهـم وقـد صـاروا عـنـد بلـوغـهـم ينتـمون إلي بني الإنسان قولاً لا فعلاً ، وهم عن هذا الـوصـف ببعيد ، فضـلاً عن أنهم سيصيرون عنصر هدم لا بناء
في مجتمعاتهم ، فشهادة الحـق ضـمير ، ونصـيحة الآخرين
ضمير، والمأكل والمشرب ضمير ، والنظافة في الجسم والملبس والبيئة ضمير، والذوق ضمير ، والتأدب مع الآخرين ضمير، وإيثار الآخرين علي النفس ضمير ، والكلمة إذا كتبت أو قيلت فهي عين الضمير ، فقد تصدر عن ضمير خرب المرامي والقاصد والأهداف فتحدث تصدعاً في بنيان الأمة.
وإذا كان الملاحدة لن يؤجروا علي ضمائرهم الحية في إتقان أعمالهم ، فقد قرن الإسلام ذلك بحسن الجزاء ، فقد قال تعالي :
{وقل إعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون} التوبة 105 .
كما قال صلي الله عليه وسلم :
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه "
فهلا راعينا ضمائرنا سراً وعلانية
فيما نقول أو نفعل؟؟؟؟
مما راق لي
فجزى الله من كتبه خير الجزاء